فصل: فصل في الرعونة والحمق:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.فصل في اليقظة والسهر:

أما اليقظة فحال للحيوان عند انتصاب روحه النفساني إلى آلات الحسّ والحركة يستعملها وأما السهر فإفراط في اليقظة وخروج عن الأمر الطبيعي وسببه المزاجي وهو الحر واليبس لأجل نارية الروح فيتحرّك دائماً إلى خارج والحرّ أشدّ إيجاباً للسهر وأقدم إيجاباً وقد يكون السهر من بورقية الرطوبة المكتنة في الدماغ أو للوجع أو للفكر العامة.
ومن السهر ما يكون بسبب الضوء واستنارة الموضع إذا وقع مثله للمستعد للسهر ومن السهر ما يكون بسبب سوء الهضم وكثرة الامتلاء ومن السهر ما يكون بسبب ما ينفخ ويشوش الأخلاط والأحلام ويفزع في النوم مثل الباقلا ونحوه ومن السهر ما يكون في الحمّيات لتصعّد بخارات يابسة لاذعة إلى الدماغ والوجع الذي يعرض للمشايخ من السهر فهو لبورقية أخلاطهم وملوحتهما ويبس جوهر دماغهم ومن السهر مما يكون بسبب ورم سوداوي أو سرطان في ناحية الدماغ.
وقد قيل: إن من اشتد به السهر ثم عرض له سعال مات وقد ذكرنا في باب النوم ما يجب أن يتذكر.
العلامات: أما علامة ما يكن من يبس ساذج بلا مادة ولا مقارنة حرّ فهي خفة الحواس والرأس وجفاف العين واللسان والمنخر وأن لا يحسّ في الرأس بحر ولا برد وأما ما يكون من حرارة مع يبوسة فعلامته وجود علامة اليبس مع التهاب وحرقة وربما كان مع عطش واحتراق في أصل العين وما كان من بورقية الأخلاط فعلامته وجود بلة في المنخر ورمص في العين وإحساس ثقل يسير وسرعة انتباه عن النوم ووثوب ويستدلّ عليه بالتدبير الماضي والسنّ.
وما كان من استضاءة الموضع أو من الغذاء فعلامته أيضاً سببه وأما كان من ورم سوداوي فعلاماته العلامات المذكورة مراراً وأما ما كان من وجع أو أفكار عامة أو حمّيات حادّة فعلامته سببه.
المعالجات: أما ما كان سببه اليبس فينبغي أن يستعمل صاحبه الغذاء المرطّب والاستحمامات المعتدلة خاصة فإن لم ينوّمه الحمام فهو غير معتدل البدن ولا جيّد المزاج وإن هو إلا في سلطان اليبس أو في سلطان أخلاط رديئه يثيرها الحمام ويجب أن يهجر الفكر والجماع والتعب ويستعمل السكون والراحة وإدامة تعريق الرأس بالأدهان المذكورة وحلب اللبن على الرأس والنطولات المرطبة المذكورة واستنشاق الأدهان واستسعاطها وتقطيرها في الأذن وخصوصاً دهن النيلوفر لا سيما سعوطاً وذلك أسفل القدم.
وأما ما كان من حر مع ذلك فتدبيره الزيادة في تدبير هذه الأدوية واستعمالها مثل جرادة القرع والبقلة الحمقاء ولعاب بزر قطونا وعصا الراعي وحي العالم وما أشبه ذلك.
ومن المنوّمات الغناء اللذيذ الرقيق الذي لا إزعاج فيه وإيقاعه ثقيل أو هزج متساو ولأجل ذلك ما صار خرير الماء وحفيف الشجر منوماً.
وأما ما كان من وجع فتدبيره تسكين الوجع وعلاجه بما يخصّ كل وجع في بابه.
وأما ما كان في الحميات فكثيراً ما يسقى صاحبه الديافود الساذج فينوم ويجب أن يستعمل صاحبه غسل الوجه والنطولات وتفريق الصدغ والجبهة بدهن الخشخاش والخس وأن تجعل في أحشائه بزر الخشخاش الأبيض وربما بخر بالمخدرات التي نسختها في الأقراباذين وأقراص الزعفران المذكورة في باب الصداع الحار إذا ديفت في عصارة الخشخاش أو ماء ورد طبخ فيه الخشخاش أو ماء خس وطلي على الجبهة كان نافعاً.
ومما جرِّب في ذلك أن يؤخذ السليخة والأفيون والزعفران فيداف بدهن الورد ويمسح به الأنف وكذلك الطلاء المتّخذ من قشور الخشخاش وأعمل اليبروح على الصدغين والاشتمام منه أيضاً.
ومن أخذ من هؤلاء قدر حبّة كرسنّة نام نوماً معتدلاً وإن كان الخلط المتصاعد إليه غليظ أضمدّت الجبهة بإكليل الملك مع بابونج وميبختج.
ومما ينوم أصحاب الحميات وغيرهم أن يربط أطراف الساهر منهم ربطاً موجعاً ويوضع بين يديه سراج ويؤمر الحضور بالإفاضة في الحديث والكلام ثم يحل الرباط بغتة ويرفع السراج ويؤمر القوم بالسكوت بغتة فينام.
وأما الكائن من رطوبة بورقية مالحة فيجب أن يجتنب تناول كل حريف ومالح ويغتذي بالسمك الرضراضي واللحوم اللطيفة شورباجة قليلة الملح ويستفرغ بحب الشبيار ويديم تفريق الرأس بالأدهان العذبة المفتّرة.
وإذا عرض هذا النوع من السهر في سن الشيخوخة كان علاجه صعباً ولكن ينبغي أن يستعمل صاحبه التنطيل بماء طبخ فيه الصعتر والبابونج والأقحوان لا غير كل ليلة فإنه ينوّم تنويماً حسناً وكذلك ينشق من دهن الأقحوان أو دهن الإيرسا أو دهن الزعفران وربما اضطررنا إلى أن نسقي صاحب السهر المفرط الذي يخاف انحلال قوته قيراطاً ونحوه من الأفيون لينوّمه.
ومن ليس سهره بذلك المفرط فربما كفاه أن يتعب ويرتاض ويستحم ثم يشرب قبل الطعام بعض ما يسدد ويأكل الطعام فإنه ينام في الوقت نوماً معتدلاً.

.فصل في آفات الذهن:

إن أصناف الضرر الواقعة في الأفعال الدماغية هي لسببين وتتعرف من وجوه ثلاثة فإنه إذا كان الحق من الإنسان سليماً وكان يتخيل أشباح الأشياء في اليقظة والنوم سليماً ثم كانت الأشياء والأحوال التي رآها في يقظته أو نومه مما يمكن أن يعبر عنها وقد زالت عنه وإذا سمعها أو شاهدها لم يبق عنده فذاك آفة في الذكر وفي مؤخر الدماغ.
فإن لم يكن في هذا آفة ولكن كان يقول ما لا ينبغي أن يقال ويستحسن ما لا ينبغي أن يُستحسَن ويرجو ما لا يجب أن يرجى ويَطلب ما لا يجب أن يُطلب ويصنع ما لا يجب أن يُصنع ويحذر ما لا ينبغي أن يُحذر وكان لا يستطيع أن يروي فيما يروي فيه من الأشياء فالآفة في الفكرة وفي الجزء الأوسط من الدماغ.
فإن كان ذكره وكلامه كما كان ولم يكن يحدث فيما يفعله ويقوله شيئاً خلاف السديد وكان يتخيل له أشياء محسوسة ويلتقط الزئبر ويرى أشخاصاً كاذبة ونيراناً ومياهاً أو غير ذلك كاذبة أو كان ضعيف التخيل لأشباح الأشياء في النوم واليقظة فالآفة في الخيال وفي البطن المقدم من الدماغ.
لأن اجتمع اثنان من ذلك أو ثلاثة فالآفة في البطنين أو الثلاثة ولأن يمرض الفكر ويقع فيه تقصير بمشاركة آفة في الذكر سبقت أولاً اسهل من أن يمرض الفكر فيتبعه مرض الذكر.
وما كان من هذا يميل إلى النقصان فهو من البرد وما كان يميل إلى التشوش والاضطراب فهو من الحر.
وزعم بعضهم أنه قد يميل إلى النقصان لنقصان جوهر الدماغ وليس هذا ببعيد وجميع ذلك فأما أن يكون سببه بدياً في الدماغ نفسه وإما من عضو آخر وقد يكون من خارج كضربة أو سقطة.
فأما المعالجات فيجب أن يعول فيها على الأصول التي ذكرت في القانون وتلتقط من ألواح أمراض أعضاء الرأس.
وفي الكتاب الثاني أدوية نافعة من جميع ذلك لتستعملها عليه وتتأمل منها ومن الأغذية ما يضرها فيجتنبها فيه.
أما اختلاط الذهن والهذيان من بين ذلك فالكائن بسبب الدماغ نفسه فهو إما مرة سوداء وإما دم حار ملتهب وإما مرة صفراء وإما مرّة حمراء إما حرّ ساذج وإما بخار حار وذلك مما تخفّ المؤنة في مثله وإما يبس لتقدم سهر أو فكر أو غير ذلك مما يجفف فيعدم الدماغ مادة روح غريزية بمثلها يمكن أن يحفظ طريقة العقل.
والكائن بسبب عضو آخر أو البدن فذلك العضو هو كالمعدة أو فمها أو المراق أو الرحم أو البدن كله كما في الحميات.
وكل ذلك إمّا لكيفية ساذجة تتأدّى إليه كما يرتفع عن الإصبع من الرجل ومن اليد إذا ورمت ومن الأعضاء الفاسدة المزاج المتورِّمة وإما من بخار حار من مرّة أو بلغم قد عفن واحتدّ.
وأسلم اختلاط العقل ما كان مع ضحك وما كان مع سكون وأردؤه ما كان مع اضطراب وضجر وإقدام.
العلامات: اعلم إن كل من به وجع شديد ولا يشكوه ولا يحسّ به فيه اختلاط.
والبول الذهبي قد يدلّ في الحميات على اختلاط العقل.
أما الكائن من السوداء فيكون مع غموم وظن شيء ومع علامات المالنخوليا التي نذكرها في بابه وإن كانت السوداء صفراوية كان معه سبعية وإقدام وإن كان السوداء دموية كان هناك طرب وضحك مع درور العروق.
وأمّا الكائن عن الصفراء فيكون مع التهاب وحرارة وضجر وسوء خلق واضطراب شديد وتخيّل نار وشرار وحرقة آماق وصفرة لون والتهاب رأس وامتداد جلد الجبهة وغؤور العينين ووثب إلى المقابلة.
والذي من الحمراء فتكون هذه الأعراض فيه أشدّ وأصعب.
ومن هذا القبيل اختلاط العقل الذي في الحميات وأكثرِ ما يكون في الوبائيات.
وأما الكائن من حرّ ويبس ساذج فلا يكون معه ثقل ولا علامات المواد المذكورة في القوانين وفي الأبواب المقدمة.
والكائن من بلغم قد عفن واحتد فيعرض لأصحابه أن يكون بهم مع الاختلاط رزانة وأن يشيلوا حواجبهم بأيديهم كل وقت وأن تثقل رؤوسهم ويسبتوا لجوهر البرد كما تختلط عقولهم لعارض الحرارة وهؤلاء لا يفارقون ما يمسكونه وربما عرض لهم أن يتوهموا أنفسهم دواب وطيور.
أو بالجملة فإن اختلاط العقل إذا عرض عن حرارة يابسة فإنه يدل عليه السهر أو عن حرارة رطبة من دم أو بلغم عفن فإنه يدل عليه السبات.
وأما الذي سببه بخار متصاعد من عضو فيعرف من حال ذلك العضو الألم إن كان عضواً أو البدن كله إن كان شاملاً كما في الحمّيات المشتملة ويعرف هل هو ساذج أو مع مادة أو بخار فعلامات جميع ذلك مذكورة في باب الصداع.
العلاجات: أما علاج المالنخوليا فسنذكره في باب المالنخوليا وأمّا علاج الاختلاط الكائن من وأما الكائن من الصفراء والحمراء فعلاجه أن يبادر ويستفرغ ويبدّل المزاج إما من البدن كله وإما من الرأس خاصة ويستعمل التدبيرات والترطيبات المذكورة في القانون ويستعمل أضمدته بعد حلق الرأس وإن اشتدّ وقوي دبّر تدبير مانيا ومما يصلح لاختلاط الذهن الحار قيروطي مبرد من دهن الورد والخلّ على اليافوخ أو دهن البنفسج واللبن إن لم يكن حمى أو دهن الورد والخشخاش مع محاذرة انعطاف البخَارات.
وإذا كان سهر فجميع الأطلية غير نافعة وربما أورثته حقن حادة فلا يستعطن فيزيد في الجذب بل اتّبع حقناً ليّنة.
وأما الكائن بسبب شركة عضو فليستعمل فيه تقوية الرأس وتبريده والجذب إلى الّخلاف وقد علم كل هذا في القوانين الماضية الكلّية والجزئية وإذا لم يكن مع الاختلاط ضعف وعلامات أورام فيجب أن يلطم صاحبه لطماً شديداً وربما وجب ضربه ليثوب إليه عقله وربما احتيج إلى أن يكوى رأسه كياً صليبياً إن لم ينفع شيء.
ومن الأشياء النافعة له أن يصبّ على الرأس منه طبيخ الأكارع والرؤوس وكثيراً ما يعافيهم الفاشرا إذا سقوا منه أياماً كما هو أو في شيء آخر من الثمار والحلاوة مما يخفيه يستسره فيه فإنه نافع.

.فصل في الرعونة والحمق:

الفرق بين اختلاط الذهن وبين الرعونة والحمق وإن كانا آفتي العقل وكان السبب المحدث لهما جميعاً قد يكون واقعاً في البطن الأوسط من الدماغ إن اختلاط الذهن آفة في الأفعال الفكرية بحسب التغير والرعونة والحمق آفة بحسب النقصان أو البطلان وحاله شبيهة بالخرفية والصبوبة وقد عرفت أن أصناف آفات الأفعال ثلاثة.
وأما أسباب هذا المرض فإما برودة ساذجة وإما مع يبس مشتمل على جوهر البطن الأوسط من الدماغ في طول الأيام والمدد وإما برودة مع بلغمية في تجاويف أوعيته.
وإنما كان سبب هذا الضرب من البرودة ولم يكن من الحرارة لأن هذا ضرر بطلان ونقصان لأن الحرارة فعالة للفكرة التي هي حركة ما من حركات الروح فيحرك بها مقدم الدماغ إلى مؤخره وبالعكس والحرارة تثير الحركة وتعينها والجمود يمنعها ولذلك جعل مزاج هذا الجزء من الدماغ مائلاً إلى الحرارة وجعل في الوسط ليكون له الرجوع من التخيل إلى التذكر وقد عرفت التخيل والتذكر في موضعه.
وهذه العلة تعالج بتسخين الدماغ وترطيبه إن كان مع يبوسة أو بتحليل ما فيه الاستفراغات بالأدوية الكبار والقيء بالسكنجبين العنصلي وبزر الفجل إن كان عن مادة ومع ذلك فيجب أن يقبل على تنبيه القلب بالأدوية الخاصية به مثل دواء المسك والمثروديطوس والمفرح وما أشبه ذلك.
ولا يجب أن نطول القول في هذا الباب فقد عرف وجه مثل هذا التدبير في القوانين فيما سلف.
ويجب أن يكون مسكنه بيتاً مضيئاً وبالجملة فإن اليقظة والسهر وتلطيف الغذاء وتقليله والميل إلى مزاج أيبس وإلى تلطيف الدم وتعديله وتقليله وتسخينه بحيث لا يكون شديد الغليان والتبخير بل حاراً لطيفاً غير غالٍ هو مما يذكي الذهن ويصفيه ولا أعدى للذهن من الامتلاء عن أغذية الرطوبات واليبس يضر بالذهن لا من حيث النقصان ولكن من حيث الإفراط في سرعة الحركة أو من حيث قلة الروح جداً وانحلاله مع أدنى حركه.